ا
لقهوة.. المشروب الغامض السر، هو أحد القوى المحركة للتاريخ البشري. ومحرك للإبداع الفكري.. إذا كنت من مرتشفيه، فمن المحتمل أن تكون عارفاً بأن أفضل أنواع القهوة في العالم تأتي من اليمن. وكانت تصدر عبر ميناء المخاء الذي كان يسمى سابقاً (موكا) المنفذ الأول في خروج القهوة إلى أوروبا والبرازيل..
والمخاء هي مدينة يمنية ساحلية تنام على شواطئ البحر الأحمر وتبعد عن صنعاء بحوالي 350 كم تقريبا.
فبعض الأساطير التاريخية تحكي أن القهوة قد تم اكتشافها للمرة الأولى في اليمن وبعضها تقول في أثيوبيا عندما كان يستخدمها الرهبان للسهر للصلاة. وأيا كانت حقيقة أصل هذا النبات فإن اسم القهوة "موكا" يعود بالفعل إلى مدينة "المخاء" وإلى وقت قريب كانت تصحب هذه الكلمة في الغرب أجود أنواع البن العربي.
ويقال أنه في القرن الرابع عشر الميلادي عندما ولج اليمنيون العالم نقلوا معهم ما كان يعرف "بالقهوة العربية" ونقلها البحارة الأوروبيون مع مرورهم من سواحل المخاء إلى بلدانهم..
لكن اليوم تبدل الحال ولم يعد لليمنيين أي صلة بالقهوة أو ارتشافها، فبدلاً عنها اصبحوا يتعاطون وريقات خضراء تسمى القات.
وكثير ممن يسمع عن اليمنيين اليوم يتبادر إلى ذهنه "القات" الذي اشتهروا بتعاطيه رجالا ونساء ما إن ينتصف اليوم عند اليمنيين إلا وتحتك أسنانهم بعضها ببعض تشوقا للقات.. فقد أضحت ظاهرة القات تزداد شيوعا في أوساط الكبار والصغار، حتى أن هناك من اليمنيين من ينفقون على القات أكثر من إنفاقهم على الأكل وقد يتجاوز بعضهم الأكل مقابل القات والشيء الأغرب أن الكثير من الإحصائيات الطبية تؤكد علاقة القات بالكثير من الأمراض التي اشتهر بها اليمنيون منها صعوبة التبول والإفرازات المنوية اللا إرادية والتأثير على البروستات والحويصلة المئوية إضافة إلى الضعف الجنسي وزيادة السكر – عكس ما يزعم الكثير من اليمنيين من أنه علاج للسكر- كما أنه يسبب إفقاد المتعاطي الشهية والإصابة بسوء التغذية وبالتالي المعاناة من عسر الهضم.
كما لاحظ الأطباء ارتباطا وثيقا بين حالات سرطان الفم والإدمان على القات وزيادة على أضرار القات الصحية أعقبتها الأضرار والسموم الناتجة عن المبيدات التي يرش بها فلقد أصبحت المبيدات لغة الشارع اليوم في اليمن بما تجنيه آثارها من مخاطر وأمراض قد تؤدي إلى الوفاة.
ومع ذلك يستمر اليمنيين في تعاطيه رغم التحذيرات الطبية التي تتناول القات.
ومن أكثر التأثيرات السلبية لزراعة القات أن حوالي 80% من المخزون المائي في اليمن يتم استنزافه لزراعة القات مقارنة بنسبة المياه القليلة التي يتطلبها ري أشجار القهوة والمحاصيل الزراعية الأخرى..
وثبت في العديد من الدراسات المهتمة بشأن المياه في العالم بأن اليمن من أكثر دول العالم عرضة للجفاف ونضب المياه الجوفية بسبب القات..
فقد لاحظت بعض المصادر الخاصة من أنه:
زاد معدل استهلاك اليمنيين للمياه المعدنية والمشروبات الغازية، بمختلف أنواعها في السنوات الأخيرة أثناء تعاطيهم "للقات" وقدرت أن مليونا من متعاطي القات خصوصا في المدن يشربون إضافة إلى المياه العادية مياه معدنية ومشروبات غازية أثناء تخزينه القات.
فإذا كان نصفهم يستهلك 180 قنينة ماء صحي سنويا سعة 75.0 لترا تبلغ قيمتها 35 ريالا.
و 300 مليون ريال في السنة فإن 500 ألف شخص يشربون 180 مليون عبوة في العام من المشروبات الغازية مع القات ومن مختلف الأنواع بينها السوائل المعروفة بمشروبات الطاقة إضافة إلى عصر الزنجبيل المصنع محليا وبما قيمته تسعة مليارات ريال باعتبار أن متوسط سعر العبوة خمسون ريالاً.
ومع أنه يوجد في اليمن عشرة مصانع للمياه المعدنية تنتج حوالي ثلاثة ملايين قنينة ماء فإن بيانات رسمية تفيد أن اليمن استورد 146 ألف و 506 أطنان من المياه المعدنية والغازية في عام 2006م من 25 بلدا ودفع قيمتها 10 بلايين و 235 مليونا و 263 ألف ريال. في مقدمتها السعودية التي صدرت إلى اليمن 121 ألفا و 310 أطنان من المياه المعدنية والغازية بـ7 ملايين و 532 مليوناً و 272 ألف ريال.
يزرع القات في معظم الأراضي اليمنية في الوديان والمدرجات، وتتفاوت احتياجاته المائية بحسب الأراضي الزراعية والمنطقة المزروع بها. ويبدو أن زراعة القات أخذت في التمدد والانتشار، لدخول زبائن جدد، الكثير من النساء والشباب الذين يضافون يوميا إلى طابور اللاهثين خلفه.
أصبح القات يشكل مشكلة اجتماعية واقتصادية وصحية كبيرة وأضحت مشاكله الصحية أكثر حدثا يشغل بال اليمنيين اليوم.
فالمزارع اليمني يستخدم المبيدات بشكل عشوائي دون وجود رقابة صحية مما تجعله سببا في هلاكه وهلاك المجتمع معه، بسبب جهله وعدم ترشيده في استخدام المبيدات. إلى جانب دخول مبيدات محرمة دوليا إلى السوق اليمنية وتباع في وضح النهار دون رقيب أو حسيب.. في عام 1973م أدرجت منظمة الصحة العالمية القات ضمن قائمة المواد المخدرة. فقد يسبب الإدمان به لكنه ليس بتأثير الكحول، ولذلك فرجال الدين مختلفين فيه فالبعض يبيح مضغه والبعض الآخر يحرمه بسبب الجوانب السلبية التي يتركها في متعاطيه.
المتعاطون للقات يدافعون عنه لاعتقادهم أن أوراقه تعطيهم الكثير من الطاقة والنشاط، وكما يقولون أنه وبدون القات لا يشعرون بنشاط وبذلك لن يكون هناك عمل ولا دراسة ولا زواج ولا شيء آخر.
المعارضون للقات والذين بدءوا يشكلون جمعيات لمكافحته يحذرون من آثاره السلبية على ذهان وجسم المتعاطي، لكن وقف استخدام القات في اليمن قد يأخذ سنوات أو ربما أجيالا قادمة.
ويعترف عبدالكريم الأرحبي وزير التخطيط والتنمية بأن القات مشكلة كبيرة نافيا أن يكون محذرا ولكن له آثاره الضارة خاصة حين يستنفد جزاءً كبيراً من دخل الأسرة على حساب المآكل والتعليم. وتعترف وزارة الزراعة أنها تجاهلت مشكلة القات لفترة من الزمن ولكنها تعد اليوم خططا لمواجهته وتدارك أضراره.
فاليمنيين اليوم أصبحوا إجمالا مدمنين على القات. ومكافحته ستتطلب جهوداً كبيرة واهتماما أكبر من قبل الدولة والدول المانحة على أن تضع ميزانية سنوية لمكافحة القات، حتى ينتشلوا اليمن من تخلفه وأزماته المتلاحقة.
أتمنى الحوار والنقاش على هذه الظاهرة السيئة ،،